في صراع متجدد من أجل المصالح السياسية للدول، تظهر ساحة النزاعات في سوريا بوضوح كبير كمركز للتوتر والصراعات المتواصلة. فشل التطبيع وتعثر الخطوة مقابل الخطوة يكشفان عن متاهات لم تجد حلاً حتى اللحظة. فقد أصبح هذان المفهومان رمزين للعجز السياسي والتوترات الدائمة التي تعتري المنطقة. 

 تجارة الكبتاغون أيضاً، تضع على الطاولة تهديدات جديدة تنذر بتأثيرات وخيمة على استقرار المنطقة. حيث يطفو اليوم تصاعد التوتر بين الأردن ومهربي المخدرات في الجنوب السوري والتدخل الإيراني الخفي الذي يرسم صورة مخيفة لمنطقتنا المضطربة. 

 

اللاورقةالأردنية للحل في سورية: 

بعد تعثر الملف السياسي في سوريا، وتعنت النظام السوري وحلفائه في إحراز أي تقدم ضمن هذا الملف، مع عدم وجود الإرادة الدولية الكافية للتغيير في سوريا، بدأت بعض الدول بتقديم مقترحات وحلول بعيداً عن فكرة استبعاد النظام السوري الحالي، فبرزت مبادرة “اللاورقة” الأردنية والتي قدمتها المملكة الهاشمية إلى الدول المعنية في الملف السوري، بما في ذلك الإدارة الأميركية، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نهاية عام 2021.  

 وبحسب اللاورقة، والتي يشير عنوانها إلى كونها طرحاً غير رسمي وقتها، فإن الهدف المعلن هو “إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254“، ووفق نهجٍ جديدٍ يعتمد تقديم حوافز للنظام مقابل الإجراءات المطلوبة منه، حيث أوردت جدولاً يتضمن المجالات التي سيتم العمل عليها على مبدأ خطوة مقابل خطوة، وقُسّمت المجالات إلى أربعة جوانب: الإنساني، تطبيق القرار الأممي 2254، محاربة الإرهاب، وانسحاب قوات الدول الأجنبية من سورية. 

  

الاجتماع الخماسي في عمان والمبادرة العربية: 

في بداية شهر أيار 2023، اتخذت الأردن خطوات ملموسة لطرح مسارها الجديد للحل في سوريا، من خلال اجتماع عمّان التشاوري، والذي سبق انعقاد القمة العربية بالرياض بحوالي 3 أسابيع، حضر الاجتماع وزراء خارجية النظام السوري ومصر والعراق والسعودية والأردن، وركزت مخرجات الاجتماع على أربعة ملفات رئيسية ضمن سياق “خطوة مقابل خطوة“، حيث أن كل خطوة من النظام نحو الحل سيُلقى برد فعل من الجانب العربي لإنهاء العزلة عن سوريا والضغط من أجل تخفيف العقوبات وإطلاق عملية إعادة الإعمار، وهذه الملفات هي: الحل السياسي بما ينسجم مع القرار 2254 وليس “وفقاً له”، وتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، ودعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها وإنهاء التواجد الأجنبي، وإنهاء ملف تصنيع وتجارة وتهريب المخدرات إلى الدول العربية والخليج عبر الأردن أو غيره بالتعاون بين النظام السوري والأردن والعراق. 

 

العودة للجامعة العربية: 

عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ودعوته لحضور القمة العربية الـ 32 في جدة مثلت تحولاً ملحوظاً في تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري بعد تعليق عضويته لأكثر من عقد. هذه الخطوة أعادت النظام السوري إلى الساحة العربية رغم استمرار الظروف التي دفعت إلى تجميده، منها عدم الالتزام بالشروط التي وضعتها الجامعة العربية لعودته، مثل العمل على حل أزمة اللاجئين والكشف عن مصير المعتقلين، وتعثر العملية السياسية لحل الأزمة السورية. 

 تتباين الشروط والمطالب التي وضعتها الدول العربية في مسألة التطبيع مع النظام السوري، حيث تولي الأردن اهتماماً بإعادة اللاجئين السوريين نظراً للأعداد الكبيرة الموجودة على أراضيها، ولكن الأهم لديها هو قلقها مع السعودية ودول الخليج الأخرى من تصاعد عمليات تهريب المخدرات، حيث تعتبر الميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن إنتاج وتهريب هذه المخدرات.  

 

هل التزم النظام السوري بمسؤولياته؟ 

بعد شهور قليلة فقط من قطف النظام السوري أولى ثمار المقاربة العربية لإيجاد حل في سوريا، والتي ترتكز على الدخول في حوار سياسي معه لإنهاء الأزمة السورية، ومعالجة تداعياتها بإشراف ومشاركة عربية مباشرة، تراجع زخم التطبيع، وأصيبت مقاربة “خطوة بخطوة” مع النظام السوري بالجمود، حيث استمرت عمليات تهريب المخدرات عبر حدود العراق والأردن، وتم ضبط شحنات كبيرة وقتها، حيث تم ضبط 450 ألف حبة كبتاغون في لبنان، وسجلت عمان أكبر عملية ضبط لها على الإطلاق بستة ملايين حبة، وفي الشهر نفسه، عثرت السلطات العراقية على 250 ألف حبة في مدرسة بالقرب من الحدود السورية. وكانت قد ضبطت قبلها بأشهر 3 ملايين حبة في المعابر مع سوريا.   

 أعلنت السلطات الأردنية عن إحباط عدة عمليات تهريب مخدرات من سوريا إلى الأردن، ما أسفر عن اشتباكات بين القوات الأردنية وعصابات التهريب، بينما توقعت الحكومة الأردنية تقليل حجم التهريب بإقرار مبادرة التطبيع مع النظام السوري، ازدادت حدة التهريب وتصاعدت الأوضاع، الأمر الذي يشير إلى استخدام النظام المخدرات كوسيلة للضغط على الدول العربية للتطبيع دون أي شروط أو مقابل. 

 في ظل استمرار تهريب المخدرات إلى الأردن، حذر وزير الخارجية الأردني من أن المملكة ستتخذ جميع الخطوات الضرورية لمنع هذا التهديد الأمني، وذلك خلال لقائه نظيره الإيراني، مؤكداً أن المعتدين على أمن الأردن لن يفلتوا من العقاب. وبدوره، قال وزير الداخلية الأردني: “إن بلاده تتعامل مع كل شاحنة قادمة من سوريا إلى الأردن على أنها تحمل مخدرات، إلى أن يُثبَت العكس“.  

 

الأردن توسع عملياتها لتشمل الأراضي السورية: 

في 19 كانون الأول 2023، شن الأردن عدة غارات جوية استهدفت مخابئ لتجار المخدرات في جنوب سوريا في بلدة صلخد بمحافظة السويداء، بالإضافة إلى مخابئ أخرى في محافظة درعا، وذلك رداً على ما سمته الأردن عمليات تهريب مكثفة واسعة النطاق. تمثل هذه الغارات النادرة الأولى التي نفذها الجيش الأردني داخل سوريا منذ بدء الصراع الدائر في المنطقة منذ أكثر من عقد من الزمان. 

 ما يحصل اليوم أخذ أبعاداً جديدة من الحرب على عصابات المخدرات، فعمليات التهريب أخذت طابعاً متطوّراً بعد دخول الطائرات المسيّرة (الدّرون). وإذا كان المعتاد أن تحمل تلك الطائرات مواد مخدّرة، فإن الجديد هو حملها لمتفجرات الـ«تي إن تي» TNT والأسلحة، حيث أسقطتها الدفاعات العسكرية الأردنية التي تتعامل مع تحرّكات مستمرة واستفزازات قريبة من الحدود، لها أهدافها الأبعد من قضية المخدرات فقط. 

 جرت خلال الأيام التالية اشتباكات مسلّحة واسعة ما بين قوات حرس الحدود الأردنية ومجموعات مسلحة كبيرة من المهربين على الحدود الشمالية للأردن، وأسفرت عن إصابة وضبط عدد من المهربين، وإحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة والصواريخ، وتدمير سيارة محملة بالمواد المتفجرة. 

 

ارتفاع حدة التصريحات الأردنية التي تشير الى إيران 

يعتبر الأردن وحلفاؤه أن حزب الله اللبناني وفصائل أخرى موالية لإيران هي الجهات المسؤولة عن تصاعد حالات التهريب. في الوقت نفسه، ترفض إيران وحزب الله هذه الاتهامات وتصفها بأنها مؤامرة غربية على سوريا، وتنفي التواطؤ مع الفصائل المسلحة. 

صرح مدير الإعلام العسكري الأردني مصطفى الحيارى مؤخراً، أن الأردن تواجه عملاً إجرامياً منظماً لتهريب المخدرات بكميات كبيرة على الحدود الشمالية، وأنه هناك إصرار على تهريب المخدرات إلى الأردن رغم ما يتكبده المهربون من خسائر بشرية ومادية، مؤكداً أن عمليات التهريب تقف وراءها عصابات منظمة لديها القدرة على تحمل الخسائر وقد تلقت تدريباً عسكرياً لذلك، وتقف وراءها أجندات خارجية”، مشيراً إلى إيران، كما أكد أن التواصل مع النظام السوري بشأن المخدرات قد تم أكثر من مرة دون أن يؤت ثماره”. 

المدنيون السوريون هم الخاسر الأكبر 

في الوقت الذي ما زال فيه السوريون يدفعون الثمن الأكبر، في حربهم مع النظام السوري الذي قتل واعتقل منهم الآلاف وشرد الملايين من بيوتهم بين نازحٍ ولاجئ، ويدفع من تبقى منهم في مناطق سيطرة النظام السوري الثمن بسوء الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية في هذه المناطق، بالإضافة إلى انتشار الفساد والجريمة والمخدرات التي يرعاها النظام السوري ويدعمها كونها مصدر دخل رئيسي له، يتعرض المدنيون اليوم في جنوب سوريا لأزمة جديدة وهي تعرضهم للقتل والتشريد نتيجة العملية العسكرية التي يشنها الأردن على تجار ومهربي المخدرات داخل حدود سوريا. 

حيث قُتلت سيدة وزوجها في قرية الشعاب جنوب شرقي السويداء، نتيجة قصف منزلهم من قبل الطيران الأردني في التاسع من الشهر الحالي كانون الثاني، كما أدت الغارات الأردنية بتاريخ 18 كانون الثاني على عدة بيوت في قريتي عرمان وملح في السويداء إلى مقتل 9 مدنيين بينهم 5 نساء وطفلتين، بالإضافة إلى مهرب مخدرات واحد، وسط صمت من النظام السوري الذي يفترض أنه يسيطر على المنطقة.  

تؤكد الرابطة السورية لكرامة المواطن أن من حق الأردن الحفاظ على أمن وسلامة حدودها ومنع تهريب المخدرات عبرها، لكن القصف العشوائي على البيوت التي يقطنها المدنيون ليس الحل المقبول أبداً، بل يجب أن تراعي أمن وسلامة المدنيين في عملياتها، كما تؤكد أن محاولة التنسيق مع النظام السوري في الحرب ضد تجارة وتهريب المخدرات أمرٌ غير منطقي، فالنظام وحلفاؤه هم الداعم الأكبر لهذه التجارة حول العالم. 

يجب أن تدرك الدول العربية والدول المعنية أن عملية التطبيع مع النظام السوري لن تحقق السلام والأمن في المنطقة، والحل الوحيد الذي يحقق السلام وينهي الأزمة السورية هو الحل السياسي الشامل الذي يمكن أن يحقق البيئة الآمنة التي يحدد شروطها السوريون أنفسهم والتي يمكن أن تحقق العودة الآمنة والطوعية والكريمة للمهجرين والنازحين، وتضمن السلام الداخلي في سوريا والسلام مع دول الجوار.