في خطوة متوقعة بشكل واسع، استخدمت روسيا مؤخراً حق النقض ضد تمديد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2585 الذي ينظم إيصال المساعدات الإنسانية إلى أكثر من أربعة ملايين سوري محاصرين في الجيب الشمالي الغربي لإدلب. في اللحظة الأخيرة، وبعد انتزاع عدد من التنازلات خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة والمشتركين الآخرين في تلك المفاوضات، وافقت روسيا على تمديد آلية التسليم للمرة الأخيرة، لكن لمدة ستة أشهر أخرى فقط، مع الإصرار على أن المساعدات يجب أن تصل عبر دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة القيادة السورية. 

إذا نفذت روسيا تهديها بأن هذا التمديد هو الأخير لآلية التسليم، فإن ملايين السوريين الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية، سيواجهون شتاءً قاسياً في شمال سوريا، وبدون الحصول على المساعدات المنقذة للحياة. 

كيف وصلنا إلى هذا الحد، الذي أصبح فيه أرواح عدد لا يحصى من السوريين في أيدي الدولة التي من الواضح أنها معتدية على هؤلاء السوريين أنفسهم. ففي الأسبوع الماضي فقط، قُتلت عائلة بأكملها فيها أربعة أطفال، في واحدة من عمليات القصف شبه اليومية لسلاحها الجوي. 

ليس فقط من غير الإنساني السماح لروسيا بإساءة استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي من أجل متابعة أهدافها في وقتها الحرب في سوريا، ولكنه أيضاً غير ضروري. إن الأساس الأخلاقي والأهم من ذلك الأساس القانوني لاستمرار إيصال المساعدات إلى إدلب دون موافقة مجلس الأمن قوي وواضح. 

في الأسبوع الماضي، انضمت منظمة العفو الدولية إلى المجموعات السورية، التي دعت منذ أكثر من عام، الأمم المتحدة والدول الرئيسية إلى اعتماد أحد المسارات القانونية البديلة، التي بموجبها لن يكون هناك حاجة إلى موافقة مجلس الأمن الدولي على إيصال المساعدات عبر الحدود. 

وكررت منظمة العفو الدولية صدى دعوات سابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتها وإصدار قرار يسمح بإيصال المساعدات، لكن هذا ليس المسار القانوني الوحيد الذي يجب أن تسلكه الأمم المتحدة. 

في عام 1986، في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، قضت محكمة العدل الدولية بوضوح بأن: “لا يمكن أن يكون هناك شك في أن تقديم مساعدة إنسانية بحتة لأشخاص أو قوات في بلد آخر … لا يمكن اعتباره تدخلاً غير قانوني، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع القانون الدولي”. 

من الواضح أن الأمم المتحدة تستوفي الشرط الأول لمثل هذا العمل الإنساني المشروع، والذي يتطلب منها احترام مبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة وعدم التمييز في إيصال المساعدات. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك إجماع بين كبار الخبراء العالميين في القانون الدولي على أنه لا يوجد عائق قانوني أمام قيام الأمم المتحدة بعمليات إنسانية عبر الحدود مباشرة ودعم المنظمات غير الحكومية للقيام بها أيضاً، مع وجود ثلاثة شروط أساسية لشرعية المساعدة عبر الحدود التي تستوفيها الأمم المتحدة بوضوح. 

وفقاً لهذا الوضع، أوضحت الأمم المتحدة أن الحكومة السورية على مر السنين رفضت بشكل مستمر ومنهجي وتعسفي الموافقة على مجموعة واسعة من عمليات الإغاثة الإنسانية المشروعة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. 

وبموجب القانون الإنساني الدولي، لا يجوز للأطراف الامتناع عن الموافقة إلا لأسباب قانونية مشروعة، وليس لأسباب تعسفية. على سبيل المثال، قد ترفض الأطراف الموافقة مؤقتاً لأسباب تتعلق بـ “الضرورة العسكرية”، حيث ستتم عمليات دفاعية وشيكة على الطريق المقترح للمساعدة. ومع ذلك، من الناحية القانونية لا يمكنهم الامتناع عن الموافقة لإضعاف مقاومة العدو أو تجويع المدنيين أو منع المساعدة الطبية. وفي حال الامتناع عن الموافقة لهذه الأسباب التعسفية، فإن عملية الإغاثة تكون قانونية بدون موافقة. 

أخيراً، تخضع المناطق التي تحتاج إلى إيصال المساعدات لسيطرة مجموعات معارضة مختلفة، وليس الحكومة السورية. في مثل هذه الحالات، فإن موافقة تلك الأطراف التي تسيطر فعلياً على المنطقة، التي تمر عبرها الإغاثة هي كل ما يتطلبه القانون الدولي لتقديم المساعدة. 

ومن الواضح أن الحل للابتزاز الروسي في مجلس الأمن الدولي لا ينفع من خلال محاولة مناشدة روسيا إنسانياً للتخلي عن حق النقض، بل من خلال تقديم مسار قانوني للدول الرئيسية والأمم المتحدة لإيصال المساعدات دون موافقة مجلس الأمن الدولي. 

ومن أجل هذا الغرض، قامت الرابطة السورية لكرامة المواطن ورابطة الشبكات السورية بإحالة وجهة نظر قانونية مفصلة إلى منسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، والتي تعمل على تطوير هذه المبادئ الأساسية بشكل أكبر، وتوضح بالتفصيل أساس استمرار إيصال المساعدات من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية. وبحسب منظمة العفو الدولية، كُلف مكتب غريفيث بإجراء دراسة قانونية خاصة بهم لاستكشاف الخيارات. 

على الصعيد الدبلوماسي، يبدو أن هناك استعداداً متزايداً للتخلص من الابتزاز الروسي، واتباع المسار الذي رسمه الخبراء القانونيون والمنظمات السورية. يمكن قراءة هذا من بيان نائب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، الذي ألقاه أثناء مناقشة الجمعية العامة للأمم المتحدة لحق النقض الروسي، التي عُقدت في 21 يوليو/تموز، حيث قال: “الآن، يجب على المجتمع الدولي، كما قال آخرون، أن يجتمعوا جميعاً ويجدوا أي سياسات إضافية لما يعتبر قضية إنسانية بحتة. ستعمل الولايات المتحدة مع أي دولة وكل دولة تعطي الأولوية لإيصال المساعدات إلى الفئات الأكثر ضعفاً”. وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أنه تم بالفعل تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات، لتحديد جميع مكونات “الخطة ب”، والتي سيتم وضعها موضع التنفيذ قبل انتهاء صلاحية الآلية الحالية لإيصال المساعدات عبر الحدود في غضون ستة أشهر. 

هذه علامات مشجعة على أن الأمم المتحدة والدول الرئيسية ستتخذ أخيراً الخطوات اللازمة لإنهاء التسليح القاتل للمساعدات الإنسانية من قبل روسيا وحليفتها في دمشق. لقد ثبت السوريون أساسات هذا الأمر بحياتهم ومن خلال مناصرتهم. وكما ذكر السفير ميلز أيضاً في نقاش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن “لديهم القوة لإحداث هذا الاختلاف”. 

صورة الغلاف: أطفال سوريون يمسكون بأيديهم أثناء انتظارهم تسليم المواد الغذائية والألعاب في منطقة سرمدا، بريف إدلب ، في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 2021 [AP Photo/Francisco Seco]